فصل: حكم القسم بقول: وحياة الله ، وقول المرأة لزوجها : حرام على ربنا أن تفعل كذا ، وقولهم : حد الله بيني وبينك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


ما حكم الرياء‏؟‏

‏(‏274‏)‏ سئل فضيلته ‏:‏ عن حكم الرياء‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ الرياء من الشرك الأصغر ، لأن الإنسان أشرك في عبادته أحداً غير الله ، وقد يصل إلى الشرك الأكبر ، وقد مثل ابن القيم - رحمه الله - للشرك الأصغر بـ‏"‏ يسير الرياء‏"‏ وهذا يدل على أن كثير الرياء قد يصل إلى الشرك الأكبر‏.‏

قال الله - تعالى - ‏:‏ ‏{‏قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً‏}‏ والعمل الصالح ما كان صواباً خالصاً ، والخالص ما قصد به وجه الله ، والصواب ‏:‏ ما كان على شريعة الله ‏.‏ فما قصد به غير الله فليس بصالح ، وما خرج عن شريعة الله فليس بصالح ويكون مردوداً على فاعله

لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى‏)‏ ‏.‏ الحديث ‏.‏ قال بعض العلماء ‏:‏ هذان الحديثان ميزان الأعمال فحديث النية ميزان الأعمال الباطنة والحديث الآخر ميزان الأعمال الظاهرة‏.‏

ما حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء‏؟‏

‏(‏275‏)‏ سئل فضيلة الشيخ- أعلى الله درجته في المهديين -‏:‏ عن حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ حكم العبادة إذا اتصل بها الرياء أن يقال ‏:‏ اتصال الرياء على ثلاثة أوجه ‏:‏

الوجه الأول ‏:‏ أن يكون الباعث على العبادة مراءاة الناس من الأصل كمن قام يصلي لله مراءاة الناس من أجل أن يمدحه الناس على صلاته فهذا مبطل للعبادة‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن يكون مشاركاً للعبادة في أثنائها ‏:‏ بمعنى أن يكون الحامل له في أول أمره الإخلاص لله ، ثم طرأ الرياء في أثناء العبادة ، فهذه العبادة لا تخلو من حالين ‏:‏

الحال الأولى‏:‏ أن لا يرتبط أول العبادة بآخرها فأولها صحيح بكل حال، وآخرها باطل‏.‏ مثال ذلك رجل عنده مائة ريال يريد أن يتصدق بها فتصدق بخمسين منها صدقة خالصة ، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية ، فالأولى صدقة صحيحة مقبولة ، والخمسون الباقية صدقة باطلة لاختلاط الرياء فيها بالإخلاص‏.‏

الحال الثانية‏:‏ أن يرتبط أول العبادة بآخرها فلا يخلو الإنسان حينئذ من أمرين‏:‏

الأمر الأول‏:‏ أن يدافع الرياء ولا يسكن إليه بل يعرض عنه ويكرهه ، فإنه لا يؤثر شيئاً لقوله، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم‏)‏‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ أن يطمئن إلى هذا الرياء ولا يدافعه ، فحينئذ تبطل جميع العبادة لأن أولها مرتبط بآخرها ‏.‏ مثال ذلك أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله- تعالى - ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها‏.‏

الوجه الثالث ‏:‏ أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها لأنها تمت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك‏.‏ وليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة ، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة ، لأن ذلك دليل إيمانه قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن‏)‏ ‏.‏ وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك فقال ‏:‏ ‏(‏تلك عاجل بشرى المؤمن‏)‏ ‏.‏

ما حكم قصد بعض طلبة العلم الشرعي الحصول على الشهادة مع طلبهم للعلم‏؟‏

‏(‏276‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ يجاب عن ذلك بأمور ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها ، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق ؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات ، والناس لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة‏.‏

الثاني‏:‏ أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد‏.‏

الثالث‏:‏ أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا ، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك لأن الله يقول ‏:‏ ‏{‏ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ‏.‏ ويرزقه من حيث لا يحتسب‏}‏‏.‏ وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي‏.‏

فإن قيل ‏:‏ من أراد بعمله الدنيا كيف يقال ‏:‏ بأنه مخلص‏؟‏

أجيب ‏:‏ أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقاً فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته بل قصد أمراً مادياً من ثمرات العبادة فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به ، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة‏.‏

وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية فمثلاً يقولون‏:‏ في الصلاة رياضة وإفادة للإعصاب ، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات ، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة ، ولذلك بين الله - تعالى - في كتابه عن حكمة الصوم - مثلاً - أنه سبب للتقوى ، فالفوائد الدينية هي الأصل ، والدنيوية ثانوية ، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية ، وعندما نتكلم عند من لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال‏.‏

حكم بعد المرء عن فعل الخير حذرا من الوقوع من رياء وسمعة

‏(‏277‏)‏ سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله - ‏:‏ عندما يهم الإنسان بعمل الخير ، يأتي الشيطان فيوسوس له ويقول‏:‏ إنك تريد ذلك رياء وسمعة ‏.‏ فيبعد عن فعل الخير ، فكيف يمكن تجنب مثل هذا الأمر‏؟‏ ‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله ‏:‏ يمكن تجنب مثل هذا الأمر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، والمضي قدماً في فعل الخير ، ولا يلتفت إلى هذه الوساوس التي تثبطه عن فعل الخير ، وهو إذا أعرض عن هذا واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم زال عنه ذلك بإذن الله‏.‏

كيف يمكن الجمع بين حديث ‏:‏ ‏(‏إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه‏)‏ وبين انتشار الشرك والبدع والجهل في زمن ثم يأتي زمن خير منه

‏(‏278‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ جاء في الحديث ‏:‏ ‏(‏إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه‏)‏ ولكن ماذا يقال ‏:‏ عن أن هناك أزمنة انتشر فيها الشرك والبدع والجهل ثم أتى زمن من بعدها كان خيراً منها حيث محيي الشرك أو تقلص وزالت البدع وانتشر العلم ومن أمثلة ذلك الفترة التي سبقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ثم الفترة التي رافقت دعوته‏؟‏ ‏.‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا الحديث قاله أنس بن مالك - رضي الله عنه- حين شكا الناس إليه ما يجدون من الحجاج الثقفي فحدثهم بهذا الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏(‏إنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم‏)‏‏.‏ والإنسان لا ينظر إلى جهة من الأرض أو إلى جيل من الناس وإنما النظر للعموم، فإذا قدر أن هذه الجهة من الأرض زال عنها الشرك والفتن بعد أن كان حالاً فيها فلا يعني ذلك أنه رفع عن جميع الأرض أو خف في جميع الأرض ، وهذا النص يقصد به العموم لا كل طائفة أو كل جهة من الأرض بعينها ، وقد يقال ‏:‏ إن هذا الحديث بناء على الأغلب ، فما وقع من خير بعد الشر ولو كان عاماً فإنه يكون مخصصاً لهذا الحديث‏.‏

الحلف

حكم الحلف بالمصحف

‏(‏ 279‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم الحلف بالمصحف‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيماً خاصاً لدى المقسم ، ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله - تعالى - بأحد أسمائه ، أو بصفة من صفاته مثل أن يقول ‏:‏ والله لأفعلن ، ورب الكعبة لأفعلن ، وعزة الله لأفعلن ، وما أشبه ذلك من صفات الله- تعالى- ‏.‏

والمصحف يتضمن كلام الله ، وكلام الله - تعالى -من صفاته وهو - أعني كلام الله - صفة ذاتية فعلية ؛ لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله لم يزل ولا يزال موصوفاً به لأن الكلام كمال فهو من هذه الناحية من صفات الله الذاتية إذ لم يزل ولا يزال متكلماً فعالاً لما يريده ، وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية لأنه يتكلم متى شاء قال الله - تعالى -‏:‏ ‏{‏إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون‏}‏ فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته - سبحانه وتعالى - والنصوص في هذا متضافرة كثيرة وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته ، وبهذا نعرف بطلان قول من يقول ‏:‏ إن كلام الله أزلي ، ولا يمكن أن يكون تابعاً لمشيئته ، وأنه هو المعنى القائم بنفسه ، وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله - عز وجل - فإن هذا قول باطل حقيقته أن قائله جعل كلام الله المسموع مخلوقاً‏.‏

وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كتاباً يعرف باسم ‏"‏التسعينية بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهاً‏.‏

فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله ، وكلام الله - تعالى - من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف بأن يقول الإنسان ‏:‏ والمصحف ويقصد ما فيه من كلام الله - عز وجل - وقد نص على ذلك فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله - عز وجل - فيقول ‏:‏ والله ، ورب الكعبة ، أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة ولا يحصل لديهم فيها تشويش ، فإن تحديث الناس بما يعرفون وتطمئن إليه قلوبهم خير وأولى ، وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته فإنه لا يجوز أن يحلف أحد بغير الله لا بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا بجبريل ، ولا بالكعبة ، ولا بغير ذلك من المخلوقات ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏‏.‏ وقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏.‏ فإذا سمع الإنسان شخصاً يحلف بالنبي ، أو بحياة النبي ، أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك ، وليبين له أن هذا حرام ولا يجوز ، ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة حيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا المحرم ؛ لأن بعض الناس تأخذه الغيرة عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقاماً لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة ، ولو أن الإنسان أنزل الناس منازلهم ودعا إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف‏)‏‏.‏ ولا يخفى على الكثير ما حصل من النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال في طائفة منه فزجره الناس ، وصاحوا به ، فنهاهم النبي ، صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فلما قضى بوله دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ ‏(‏إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر وإنما هي للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن‏)‏ ‏.‏ أو كما قال، صلى الله عليه وسلم ، ثم أمر أصحابه أن يصبوا على البول ذنوباً من ماء ، فبهذا زالت المفسدة وطهر المكان ، وحصل المقصود بالنسبة لنصيحة الأعرابي الجاهل، وهكذا ينبغي لنا نحن في دعوة عباد الله إلى دين الله أن نكون داعين إلى الله - سبحانه وتعالى - فنسلك الطريق التي تكون أقرب إلى إيصال الحق إلى قلوب الخلق وإصلاحهم والله الموفق‏.‏

حكم الحلف بغير الله تعالى

‏(‏280‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم الحلف بغير الله-تعالى - ‏؟‏ وهل منه ما روي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، من قوله ‏:‏ ‏(‏أفلح وأبيه إن صدق‏)‏ أفتونا مأجورين‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الحلف بغير الله -عز وجل - مثل أن يقول ‏:‏ وحياتك ، أو وحياتي، أو والنبي أو والسيد الرئيس، أو والشعب، أو ما أشبه ذلك ، كل هذا محرم بل هو من الشرك ؛ لأن هذا النوع من التعظيم لا يصلح إلا لله - عز وجل- ومن عظم غير الله بما لا يكون إلا لله فهو شرك ، لكن لما كان هذا الحالف لا يعتقد أن عظمة المحلوف به كعظمة الله لم يكن الشرك شركاً أكبر بل كان شركاً أصغر، فمن حلف بغير الله فقد أشرك شركاً أصغر، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ ‏.‏ وقال ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏‏.‏ فلا تحلف بغير الله أيّاً كان المحلوف به حتى لو كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أو جبريل ، أو من دونهما من الرسل من الملائكة ، أو البشر ، أو من دون الرسل فلا تحلف بشيء سوى الله - عز وجل - ‏.‏

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أفلح وأبيه إن صدق‏)‏ فهذه الكلمة ‏"‏وأبيه‏"‏ اختلف الحفاظ فيها ‏:‏

فمنهم من أنكرها وقال ‏:‏ لم تصح عن النبي ، صلى الله عليه وسلم وبناء على ذلك فلا إشكال في الموضوع لأن المعارض لا بد أن يكون قائماً وإذا لم يكن المعارض قائماً فهو غير مقاوم ولا يلتفت إليه‏.‏

وعلى القول بأنها ثابتة فإن الجواب على ذلك ‏:‏ أن هذا من المشكل ، والنهي عن الحلف بغير الله من المحكم ، فيكون لدينا محكم ومتشابه وطريق الراسخين في العلم في المحكم والمتشابه أن يدعوا المتشابه ويأخذوا بالمحكم قال الله- تعالى - ‏:‏ ‏{‏هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب‏}‏ ‏.‏

ووجه كونه متشابهاً أن فيه احتمالات متعددة‏:‏

1- 1- قد يكون هذا قبل النهي‏.‏

2- 2- قد يكون هذا خاصاً بالرسول ، عليه الصلاة والسلام ، لبعد الشرك في حقه‏.‏

3- 3- قد يكون هذا مما يجري على اللسان بغير قصد‏.‏

ولما كانت هذه الاحتمالات وغيرها واردة على هذه الكلمة - إن صحت - عن الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، صار الواجب علينا أن نأخذ بالمحكم وهو النهي عن الحلف بغير الله‏.‏

ولكن يقول ‏:‏ بعض الناس إن الحلف بغير الله قد جرى على لساني ويصعب علي أن أدعه فما الجواب‏؟‏

نقول‏:‏ إن هذا ليس بحجة بل جاهد نفسك على تركه والخروج منه وحاول بقدر ما تستطيع أن تمحو من لسانك هذه الكلمة لأنها شرك والشرك خطره عظيم ولو كان أصغر حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول‏:‏ ‏"‏الشرك لا يغفره الله ولو كان أصغر‏"‏ ‏.‏ وقال ابن مسعود - رضي الله عنه-‏:‏ ‏"‏لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً‏"‏‏.‏ قال شيخ الإسلام ‏:‏ وذلك لأن سيئة الشرك أعظم من سيئة الكبيرة‏.‏

حكم الحلف بغير الله، والحلف بالقرآن الكريم

‏(‏281‏)‏ وسئل أيضاً ‏:‏ عن حكم الحلف بغير الله‏؟‏ والحلف بالقرآن الكريم‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الحلف بغير الله أو بغير صفة من صفاته محرم وهو نوع من الشرك ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ ‏.‏ وجاء عنه ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏.‏ رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم ‏.‏ وثبت عنه ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ ‏(‏من قال واللات والعزى فليقل ‏:‏ لا إله إلا الله‏)‏‏.‏ وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله ‏.‏

وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله- سبحانه وتعالى - لا بالكعبة ، ولا بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا بجبريل ،ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين ، ولا بالشرف ، ولا بالقومية ، ولا بالوطنية كل حلف بغير الله فهو محرم وهو نوع من الشرك والكفر‏.‏

وأما الحلف بالقرآن الكريم فإنه لا بأس به ، لأن القرآن الكريم كلام الله - سبحانه وتعالى - تكلم الله به حقيقة بلفظه مريداً لمعناه وهو - سبحانه وتعالى- موصوف بالكلام فعليه يكون الحلف بالقرآن الكريم حلفاً بصفة من صفات الله - سبحانه وتعالى - وذلك جائز‏.‏

حكم الحلف بغير الله، والحلف بآيات الله

‏(‏282‏)‏ وسئل ‏:‏ عن حكم الحلف بغير الله‏؟‏ والحلف بآيات الله‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ الحلف لا يجوز إلا بالله - سبحانه وتعالى - أو صفة من صفاته ، أما الحلف بغير الله فهو شرك سواء كان المحلوف به وجيهاً عند الله -عز وجل-أم كان من سائر العباد، ولهذا لا يجوز لنا أن نحلف بالنبي ، أو أن نحلف بجبريل ، أو بالكعبة ، أو بأي شيء من المخلوقات قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ‏:‏ ‏(‏من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ ‏.‏ وقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏.‏ والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، هو نفسه لا يرضى أن يحلف به ولما قال له رجل ‏:‏ ما شاء الله وشئت قال‏:‏ ‏(‏أجعلتني لله نداً بل ماشاء الله وحده‏)‏ ‏.‏

فيحلف المرء بالله - عز وجل - فيقول ‏:‏ والله، والرحمن، ورب العالمين ، ومجري السحاب ، ومنزل الكتاب وما أشبه ذلك ، وكذلك يحلف بصفاته - سبحانه وتعالى - مثل وعزة الله ، وقدرة الله ، وما أشبه ذلك ، ويحلف بالمصحف لأنه كلام الله ، لأنه لا يريد الحلف بالورق والجلود وإنما يريد الحلف بما تضمنته هذه الأوراق‏.‏

وأما قول السائل‏:‏ هل يجوز الحلف بآيات الله بأن يقول الإنسان‏:‏ وآيات الله أو بآيات الله لأفعلن كذا‏؟‏ فنقول في الجواب‏:‏ إن قصد بالآيات الآيات الشرعية وهي القرآن الكريم فلا بأس، وإن قصد بالآيات الآيات الكونية كالشمس ، والقمر والليل والنهار فهذا لا يجوز ‏.‏ والله أعلم‏.‏

حكم القسم بقول‏:‏ وحياة الله ، وقول المرأة لزوجها ‏:‏ حرام على ربنا أن تفعل كذا ، وقولهم ‏:‏ حد الله بيني وبينك

‏(‏283‏)‏ وسئل فضيلته عن حكم القسم بقول‏:‏ ‏"‏وحياة الله‏"‏ ، وقول المرأة لزوجها ‏:‏ ‏"‏حرام على ربنا أن تفعل كذا‏"‏ ، وقولهم ‏:‏ ‏"‏حد الله بيني وبينك‏"‏ ‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ أما صيغة القسم بقول الإنسان ‏:‏ ‏"‏وحياة الله‏"‏ فهذه لا بأس بها ؛ لأن القسم يكون بالله - سبحانه وتعالى- وبأي اسم من أسمائه ، ويكون كذلك بصفاته كالحياة ، والعلم ، والعزة والقدرة وما أشبه ذلك فيجوز أن يقول الحالف ‏:‏ وحياة الله، وعلم الله ، وعزة الله ، وقدرة الله، وما أشبه هذا مما يكون من صفات الله - سبحانه وتعالى - كما يجوز القسم بالقرآن الكريم لأنه كلام الله ، وبالمصحف لأنه مشتمل على كلام الله - سبحانه وتعالى-‏.‏

أما قول تلك المرأة ‏:‏ ‏"‏حرام على ربنا‏"‏ فإذا كانت تقصد أن الله حرام عليها فهذا لا معنى له ، ولا يجوز مثل هذا الكلام ، فما معنى هذا التحريم ‏؟‏ هل معناه عبادة الله حرام عليها ‏؟‏ لا أدري مامعنى هذا الكلام ‏.‏

أما إذا كانت تريد حرام علي هذا الشيء ، وحرام علي أن لا تفعل أنت هذا الشيء وتقصد بربنا أي يا ربنا فهذه صيغة لتحريم الشيء ، والشيء إذا حرم وقصد به الإنسان الامتناع عنه صار بمنزلة اليمين كما قال الله - عز وجل-‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ‏.‏ قد فرض الله لكم تحله أيمانكم‏}‏ ‏.‏فجعل الله هذا التحريم يميناً وقال‏:‏ ‏{‏قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم‏}‏ فالإنسان إذا قال ‏:‏ هذا حرام علي، أو حرام علي إن لم أفعل كذا وقصده بذلك الامتناع عن هذا الشيء فحكمه حكم اليمين بمعنى أن نقول كأنك قلت ‏:‏ ‏"‏والله لا أفعل هذا الشيء ،أو والله لا ألبس هذا الثوب ، أو والله لا آكل هذا الطعام‏"‏ فإذا حنث كفر كفارة يمين ‏.‏

وأما بالنسبة للصيغة الثالثة‏:‏ ‏"‏حد الله بيني وبينك‏"‏ فهذا كأنه من باب الاستعاذة بالله - عز وجل- والاستعاذة بالله أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن يجاب الإنسان عليها بمعنى أنه إذا استعاذ الرجل بالله - عز وجل - وجب علينا أن نعيذه ، إلا إذا كان ظالماً في هذه الاستعاذة فإن الله - سبحانه وتعالى - لا يجيره إذا كان ظالماً مثل لو أردنا أن نأخذ الزكاة من شخص لا يؤديها فقال‏:‏ أعوذ بالله منكم ، فإننا لا نعيذه لأن إعاذته مقتضاها إقراره على معصية الله - عز وجل- والله- سبحانه وتعالى- لا يرضى ذلك فإذا كان الله لا يرضاه فنحن لا نوافقه عليه ، فالمهم أن من استعاذ بالله - سبحانه وتعالى- فإننا مأمورون بإعاذته وتجنبه ما لم يستعذ بالله من أمر واجب عليه يخاف أن نلزمه به فإننا لا نعيذه في هذه الحال‏.‏ والله المستعان‏.‏

حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة والشرف والذمة

‏(‏284‏)‏ وسئل - حفظه الله تعالى -‏:‏عن حكم الحلف بالنبي، صلى الله عليه وسلم، والكعبة ‏؟‏ والشرف والذمة ‏؟‏ وقول الإنسان ‏"‏بذمتي‏"‏ ‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ الحلف بالنبي ، عليه الصلاة والسلام ، لا يجوز بل هو نوع من الشرك ، وكذلك الحلف بالكعبة لا يجوز بل هو نوع من الشرك ، لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والكعبة كلاهما مخلوقان والحلف بأي مخلوق نوع من الشرك‏.‏

وكذلك الحلف بالشرف لا يجوز ، وكذلك الحلف بالذمة لا يجوز ، لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏.‏ وقال ، صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏‏.‏

لكن يجب أن نعلم أن قول الإنسان ‏:‏ ‏"‏بذمتي‏"‏ لا يراد به الحلف ولا القسم بالذمة ، وإنما يراد بالذمة العهد ، يعني هذا على عهدي ومسؤوليتي هذا هو المراد بها ، أما إذا أراد بها القسم فهي قسم بغير الله فلا يجوز ، لكن الذي يظهر لي أن الناس لا يريدون بها القسم إنما يريدون بالذمة العهد والذمة بمعنى العهد‏.‏

حكم قول الإنسان ‏:‏ والله ، وحياتك

‏(‏285‏)‏ وسئل ‏:‏ عن قول الإنسان ‏:‏ ‏"‏والله وحياتك‏"‏ ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ قوله ‏:‏ ‏"‏والله وحياتك‏"‏ فيها نوعان من الشرك‏:‏

الأول ‏:‏ الحلف بغير الله‏.‏

الثاني‏:‏ الإشراك مع الله بقوله ‏:‏ ‏"‏ والله وحياتك ‏"‏ وضمها إلى الله بالواو المقتضية للتسوية ‏.‏

والقسم بغير الله إن اعتقد أن المقسم به بمنزلة الله في العظمة فهو شرك أكبر وإلا فهو شرك أصغر‏.‏

حكم القسم بصفة من صفات الله تعالى

‏(‏286‏)‏ وسئل فضيلته ‏:‏ عن حكم القسم بصفة من صفات الله تعالى ‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ القسم بصفة من صفات الله - تعالى - جائز مثل أن تقول ‏:‏ وعزة الله لأفعلن ، وقدرة الله لأفعلن وما أشبه ذلك ، وقد نص على هذا أهل العلم حتى قالوا ‏:‏ إنه لو أقسم بالمصحف لكان جائزاً لأن المصحف مشتمل على كلام الله وكلام الله من صفاته‏.‏

حكم عن من لم يقتنع بالحلف بالله

‏(‏287‏)‏ سئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عن حكم عن من لم يقتنع بالحلف بالله‏؟‏

فأجاب قائلاً ‏:‏ من لم يقتنع بالحلف بالله فلا يخلو ذلك من أمرين‏:‏

الأمر الأول‏:‏ أن يكون ذلك من الناحية الشرعية فإنه يجب الرضا بالحلف بالله فيما إذا توجهت اليمين على المدعى عليه فحلف فيجب الرضا بهذا الحكم الشرعي‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ أن يكون ذلك من الناحية الحسية ، ففي هذا تفصيل‏:‏

أولاً ‏:‏ إذا كان الحالف موضع صدق وثقة فإنك ترضى بيمينه‏.‏

ثانياً ‏:‏ إذا كان غير ذلك أن ترفض الرضا بيمينه ،ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، لحويصة ومحيصة ‏:‏ ‏(‏تبرئكم يهود بخمسين يميناً‏)‏ قالوا ‏:‏ كيف نرضى يا رسول الله بأيمان اليهود‏؟‏ فأقرهم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، على ذلك‏.‏

حكم ما يقوله بعض الناس ‏:‏ أنا نصراني لو فعلت كذا

‏(‏288‏)‏ وسئل فضيلة الشيخ ‏:‏ عما يقوله بعض الناس ‏:‏ ‏"‏أنا نصراني لو فعلت كذا ‏.‏ ‏.‏ ‏"‏ ‏؟‏

فأجاب بقوله ‏:‏ هذا من باب اليمين فحكمه حكم اليمين ، إذا حنث فيه يكفر كفارة يمين إذا تمت شروط الكفارة ، لكن ينبغي للإنسان أن يحلف بالله - عز وجل - لأن بعض الناس يظن أن هذه العبارة أوكد من الحلف بالله ، فيريد أن يؤكد ما يقول بمثل هذه العبارة،ولكننا نقول‏:‏ يفعل ما أرشد إليه النبي،عليه الصلاة والسلام، في قوله‏:‏ ‏(‏من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏‏.‏